لم يخض أبناء المغرب حروبا منذ عقود، لذا فأكيد أن التواجد في منطقة حرب هو أمر صادم بالنسبة لكل مدني مغربي بطبيعة الحال، أما خوض الحرب نفسها والانتماء لأحد الجيوش فأمرٌ جلل وصعب أن تتحمله القلوب المسالمة بشكل عام.
على حين غرّة، فوجئ المغاربة باسم أحد أبناء بلدهم ضمن أسرى الحرب الروسية الأوكرانية، بعد أن حكم عليه بالإعدام من طرف محكمة تابعة لسلطات مقاطعة دونيتسك الانفصالية هو وشخصين آخرين.
أما التهمة، وفق السلطات الروسية، فهي كونهم مرتزقة، أما الردّ الذي جاء من طرف والده فهو أن إبراهيم حاصل على الجنسية الأوكرانية.
ما هو مؤكد أن إبراهيم سعدون (21 سنة) شاب من طراز خاص، ويظهر هذا من خلال جميع الفيديوهات تم تصويره بها، إما خفية، أو حتى علناً.
ففي لحظة نطق الإعدام بدا إبراهيم هادئا جدا، وكان يجول بعينيه بالمكان كأنه غير معني تماما بالمحاكمة، حتى إنه توجه بالكلام لأحد المتهمين الذي بدأ يتململ بعد أن أرهقته الأغلال، وبدا كأنه يواسيه أو يسأله إن كان يريد شيئا.
فكيف لشاب في سنه، بدون تجربة خوض حرب، أن يحتفظ بكل رباطة الجأش هذه؟
في الفيديو الذي تمت محاورته فيه، يبدو إبراهيم متماسكا ويجيب بكل وضوح أنه كان ينتمي للجيش الأوكراني، مؤكدا ضمنيا أنه ليس مرتزقا، بل جندي مثل باقي جنود الحروب.
وفي هذا الحوار أيضا لا يبدو قلقاً أو مرعوبا، ويجيب عن أسئلة المحاور بحضور بديهة واضح، حتى إنه يختار توجيه رسالة لوالديه بالدارجة، مؤكدا أنه سيكون بخير.
لم تعد قضية إبراهيم قضية محصورة بمكان محدد، بل أخذت صبغة العالمية الآن، حتى أن موقع دويشته الألماني توقع في مقال تحليلي أن الحكم بإعدامه "قد يسبب أزمة إنسانية دولية".
المعلومات الأولية أشارت إلى أن إبراهيم سعدون ينحدر من مكناس وكان يدرس علوم الطيران بإحدى جامعات أوكرانيا. وبحسب وسائل إعلام روسية فإنه تطوع للقتال في صفوف القوات الأوكرانية لمواجهة الغزو الروسي وانضم إلى صفوف وحدة المشاة البحرية الأوكرانية المقاتلة في ماريوبول.
عدد من التغريدات المغربية أوردت أن إبراهيم سعدون قد تم تجنيده إجبارياً للعمل كمترجم لصالح القوات الأوكرانية، وأن حظه السيء هو الذي أوقعه في أيدي القوات الانفصالية التي سلمته للمحكمة على أنه مقاتل مرتزق.
والد سعدون أكد ما قيل من خلال تصريحه بأن إبراهيم "شاب شديد الذكاء تفخر به بلاده ويجيد عدة لغات منها الإنجليزية والروسية بطلاقة، ما دفع الجيش الأوكراني إلى الاستعانة بترجمته رفقة باقي طلبة المعهد".
ورغم قساوة الحكم إلا أن الأمل يبقى قائما بنجاة ابن المغرب، فقد قال رئيس الهيئة القضائية للصحفيين، إن "الحكم على المرتزقة الثلاثة، يمكن استئنافه خلال محكمة النقض في غضون شهر من تاريخ إعلان الحكم"، بحسب ما ذكرت وكالة سبوتنيك الروسية.
ووفق مصادر إعلامية فإنه، إذا ما تم قبول استئناف الثلاثة، "من الممكن تخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد أو قضاء 25 عاماً في مستعمرة جنائية وحرمانهم من الاتصال بالآخرين".
وتبقى كل هذه المعطيات مبدئية في انتظار تدخل الخارجية المغربية، لعلّه يكون لها رأي آخر، ويعود إبراهيم في أقرب وقت إلى حضن والديه سليما معافىً.